فاضل ميراني
لا جدال منتجا ينقض حقيقة ان العقدين الاخرين شهدا سيطرة لقوى تكاد تطبق قوتها على رقبة النظام السياسي المحلي فتوجه نظره و اهتمامه و تجبره على التحرك حسب مصالح اقليمية و ذاتية كمحصلة تحول في الشكل و المضمون القومي و الطائفي الحزبيين و التأثير جبرا في الجموع الشعبية المستقلة، و بالاستعداء مرة و بالمهادنة مرة للقوى التي ترفض المشاريع المفروضة التي تعمل لافراغ السيادة و المواطنة و تصوير الحقوق و المستحقات في زوايا حصص الموازنة و بعض المناصب.
لم تكن رقبة النظام السياسي قبلا منعتقة من السيطرة، الفرق هو ان يد الحزب الاوحد سابقا، و الحكم العسكري اسبقا، كانتا فرديتين، ثم تطورت لاحقا لتفاهمات و تنازعات على القبض على عظام هذا المفصل، تارك بعلنية و اخرى بتغطية، مرة بمصارحة و مرة بأنكار، الا ان المتحقق هو ان السياسة بعنوانها المذهبي هي التي تشكل القوة الاساس الممسكة بالنظام، و هذا ليس سرا، فالامر معلوم للقوى الداخلية و الخارجية التي تعمل على مخططين رسمي هو شكل النظام الذي صار ظلا في اغلبه لقوى معلومة عميقة هي مضمونه.
كنا و لم نزل و نبقى نحذر- وكم صدق تحذيرنا- من الخطر الكبير و المكلف في فداحته إن استمر هذا التفكير و هذه الاعمال في دفع القرار السياسي للتلجلج و الدخول في معادلات عداوة تفترض مع نفسها سيناريوهات المواجهة البعيدة عن واقع ما يفكر فيه الخصم، و هو خصم له مشاكل و حسابات مع انظمة حكم و تنظيمات هي و هو معنيان بها تاريخا و قانونا و حاضرا، و انا هنا لا اتكلم لا بالمقدمات و لا بالرأي الشخصي للنزاع الاقدم في الشرق الاوسط و الذي لم يزل يتفاعل للان، بل احكي عن واقع و ماضي و توقع ما اصاب و سيصيب البلاد ان انسحبت للتورط في النزاع سرا دخلت فيه او علانية.
ليست نتائج الاحداث مطمئنة حتى و ان جرى تطويق و كبح جموح الراغبين في جعل العراق ممرا لخطوط النار، فلقد توافرت ادلة للرقابة الدولية للقوى العالمية و كانت توافرت ادلة سابقا عن عدم الانضباط الداخلي الذي يتحكم بالاداء لمؤوسسات الدولة الناشئة على ركام نظام سابق ازيح بجريرة انه يشكل عدم امان و تهديدا للسلام العالمي، ولذا فمن الغريب و ايضا كان لا بد ان يكون محذورا ان يتحرك الاداء السياسي لقوى بذاتها ما بين الاستعراض او تقديم الولاء و التعهد بتقديم خدمات في مشروع ترى فيه القوى الكبرى انه خطر كامن على المصالح الدولية، فحينها سيكون صعبا تفكيك المواقف المتشابكة بين الظاهر و الدولة العميقة او قل مراكز القوى التي و مع كل ازمة تظهر للمجتمع الدولي انها فوق الدولة فلا مسائلة عليها و اعمق منها وتستطيع استبدال من لا يسلمها رقبته.
نحن شعبا و امة و حزبا، من اعرق الذين عانوا الحيف و تحملوا جور الانظمة و نحن اصحاب علاقات نضال و تعاطف مع الشعوب المقهورة، لكننا و الذين مثلنا في عدالة القضايا و اسبقية النضال و الكفاح و الجهاد لم نكن يوما دعاة عنف و لم نكن يوما مستعدين لسياسة الحرق و المقامرة بمصالح الدولة حتى التي قام نظامها بقتلنا، وذلك لمعرفتنا بما ستكون عليه نتائج الخراب و التخريب، وايضا لان طريق الفوز و البناء و النجاح يكون بدراسة القوى، و قبل ذلك صدقية النضال و حتمية الحق.
نحن ملزمون بصيانة حياة شعبنا و ازدهاره، نحن نبحث عن تنفيذ مسؤولياتنا في حياة افضل لا في تعريض اجيالنا لمغامرات ليست حروب الخليج عنها ببعيدة.
الممسكون برقبة النظام لو انهم يخففون ضغطهم، ولو ان بقية القوى المستشعرة للخطر تحثهم على عدم نحر التجربة يتحركون فذلك واجب كبير مطلوب، اذ ليس من الرشد في شيء ان يدفع ابناء شعوب البلاد اثمان خسارات تضاف فيها الى الفقر و التهجير و اضطراب الاقتصاد و الاقصاء خراب اكثر .
مسؤول الهيئة العاملة للمكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني.